
بينما تستمر الولايات المتحدة في تطوير الذكاء الاصطناعي من خلال سياسات تنظيمية محدودة، يتبع الاتحاد الأوروبي نهجًا مختلفًا يركز على الحماية والتنظيم، حيث يشمل ذلك اللائحة العامة لحماية البيانات “GDPR” و”قانون الذكاء الاصطناعي” الجديد، كما يضع الاتحاد الأطر اللازمة لحماية حقوق العمال والنقابات في محاولة منه لحماية سوق العمل من التهديدات التي قد تنجم عن استخدام الذكاء الاصطناعي.
تشير دراسة مشتركة أجرتها منظمة العمل الدولية والمعهد الوطني البولندي للبحوث إلى أن مناطق أوروبا وآسيا تتصدران قائمة المناطق الأكثر تعرضًا لتأثيرات الذكاء الاصطناعي وتتفوقان على الأمريكتين، وذلك في ظل تقديرات تشير إلى أن واحدًا من كل أربعة وظائف في العالم قد يتعرض للتحول أو الزوال نتيجة لهذه التكنولوجيا، مما يزيد من حدة المخاوف الأوروبية نظرًا للنقص الكبير في العمالة الماهرة بالقارة.
يوضح آدم ماورر، المدير التنفيذي للعمليات في شركة “كونيكتينج سوفتوير”، أن الصورة العامة لا تزال غير مكتملة، حيث قال “ما زلنا في بداية الموجة، ولم نرَ سوى جزء بسيط من قدرات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يثير الحماس والخوف في آنٍ واحد”، إضافة إلى ذلك، ذكر أن شركات التقنية الكبرى قامت بتسريحات جماعية نتيجة إيمانها المتزايد بقدرة الذكاء الاصطناعي على أداء مهام بشرية، لاسيما في الوظائف المتوسطة والبسيطة.
من أبرز الأمثلة في هذا السياق شركة “كلارنا” السويدية للتكنولوجيا المالية، التي قامت بفصل 700 موظف واستبدالهم بأنظمة ذكاء اصطناعي، لكنها عادت مؤخرًا إلى توظيف البشر، معترفة بأن قرار الإحلال كان “خطأً”، وفي المقابل، هناك بعض الخبراء الذين يرون أن هناك وظائف ستصبح أكثر أهمية بفضل التطور التكنولوجي، وهذا يجعل بعض القادة التقنيين يؤمنون بأن التنظيم الذكي قد يحقق توازنًا مستدامًا يعود بالنفع على جميع الأطراف.
على الرغم من ذلك، تباينت الآراء ما بين مؤيد ومعارض لتدخل الاتحاد الأوروبي في تنظيم حالات فقدان الوظائف، فبينما يخشى البعض من أن التدخل التنظيمي المفرط قد يعيق الابتكار، يشدد آخرون على أن مواجهة التحديات المرتبطة بالتكنولوجيا باتت أمرًا لا مفر منه، خاصة إذا استمرت الشركات في استخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة لخفض التكاليف دون إدراك العواقب الاجتماعية.
فولوديمير كوبيتسكي، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في شركة MacPaw الأوكرانية، يقدم رؤيته حيث يشير إلى أن السؤال الجوهري ليس حول اختفاء الوظائف بل حول قدرتنا على إعادة تصميم بيئة العمل قبل انهيار النظم القديمة بالكامل، كما يرى أن قانون الذكاء الاصطناعي كان ضرورة لكنه يحتاج إلى مزيد من التعديلات ليتناول قضايا فقدان الوظائف بشكل أعمق.
رومان إيلوشفيلي، مؤسس شركة ComplyControl البريطانية، يشدد أيضًا على أهمية معالجة القانون للآثار الاقتصادية والاجتماعية للذكاء الاصطناعي، ويتوقع أن تُضاف بنود جديدة تلزم أصحاب العمل بإعادة تأهيل الموظفين وتقديم الحماية القانونية للعمال المتضررين، لكن كريس جونز، رئيس فريق الهندسة في شركة iVerify، يجادل بأن الوقت لا يزال مبكرًا لتعديل القانون، حيث يرى أن النظام الحالي يعكس توازنًا فعّالًا بين حماية الحقوق وتحفيز الابتكار.
قدّم بعض الخبراء بدائل تنظيمية، مثل فرض “ضريبة رمزية على استخدام الذكاء الاصطناعي” تهدف إلى تمويل برامج تدريب وإعادة تأهيل العمال، بينما دعا داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة Anthropic، إلى تبني مثل هذه الأفكار لتخفيف آثار فقدان الوظائف دون كبح الابتكار.
من جهة أخرى، أبدت النقابات الأوروبية قلقها من التهديدات المتزايدة بسبب سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى على السوق، حيث عبّر الاتحاد الأوروبي للنقابات عن مخاوفه قبيل قمة الذكاء الاصطناعي في باريس، محذرًا من أن أي فائدة اجتماعية قد تنشأ عن التكنولوجيا سيتم تدميرها إذا تم احتكارها.
نقابات بريطانية طالبت أيضًا بتشريعات لحماية العمال من التوظيف أو الفصل الذي تديره الأنظمة الذكية، مؤكدة على أهمية الشفافية وحق النقابات في تقديم المشورة، لذلك، يُتوقع أن يحدث توازن بين حماية العمال ودمج الذكاء الاصطناعي داخل بيئة العمل، حيث يتعين على الشركات إشراك الموظفين مبكرًا في أي عملية إدماج للتقنيات الجديدة.
هناك دعوات لدعم الابتكار في أوروبا من خلال استغلال نقاط قوتها الفريدة بدلاً من تقليد وادي السيليكون، فبعض الخبراء يقترحون الاستفادة من نظم الحوكمة الأخلاقية وكفاءات التصنيع، كما يشدد كريس جونز على أهمية أن تصبح أوروبا رائدة في “الذكاء الاصطناعي الآمن” من خلال الاستثمار في الإنسان والوصول إلى توازن دقيق بين حماية الحقوق وتعزيز الابتكار.