
أطلقت شركة جوجل ديب مايند نموذج ذكاء اصطناعي جديداً قادراً على إنشاء خرائط دقيقة للأرض لمساعدة العلماء في فهم التغيرات البيئية. تعتمد الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض على جمع صور وقياسات متعددة للمناطق المختلفة مثل الأراضي والغابات والمدن والمياه الساحلية، لكن كثرة مصادر هذه الصور تجعل من الصعب توحيدها في صورة واحدة واضحة.
أعلنت ديب مايند عن نموذجها المسمى “ألفا إيرث فاونديشنز” الذي يمكنه إنشاء خرائط فائقة الدقة للعالم تقريبا في الوقت الحقيقي. وأوضح كريستوفر براون، مهندس الأبحاث في ديب مايند، أن النموذج يعمل كقمر صناعي افتراضي يرسم خريطة العالم في أي مكان وزمان بدقة عالية.
يجمع هذا النظام تريليونات الصور من مصادر عامة متنوعة منها صور الأقمار الصناعية وعمليات المسح الراداري وخرائط الليزر ثلاثية الأبعاد ومحاكاة المناخ، ويرسم خرائط لليابسة والمياه الساحلية على نطاق العالم كله. وتؤكد جوجل أن النموذج قادر على توليد بيانات دقيقة تصل إلى مستوى نظام بيئي صغير بمساحة عشرة أمتار مربعة، كما أن بياناته تحتاج لمساحة تخزين أقل بكثير مقارنة بأنظمة مشابهة، وهو ما يجعل إجراء تحليلات واسعة النطاق أكثر سهولة.
بينت الاختبارات الأولية التي أجريت على بيانات من 2017 حتى 2024 أن النموذج يتفوق على نماذج ذكاء اصطناعي أخرى في تحديد استخدامات الأراضي وتقدير خصائص السطح بدقة أكبر، حيث يقل معدل الخطأ بنسبة 24%. وتأمل جوجل في أن يسهم هذا النظام في دعم الباحثين لدراسة التغيرات العالمية المتعلقة بالأمن الغذائي وإزالة الغابات والتوسع الحضري وموارد المياه.
تأتي مبادرة “ألفا إيرث” ضمن توجه متزايد في علوم البيئة يهدف إلى تحويل تدفق رصدات الأقمار الصناعية المستمر إلى أدوات عملية قادرة على دراسة الأرض بدقة عالية. وتساعد هذه البيانات المحدثة بانتظام العلماء على قياس وفهم التغيرات البيئية ومتابعة آثار تغير المناخ والتخطيط للحفاظ على البيئة وإدارة الموارد مثل المياه والأراضي الزراعية.
على سبيل المثال، في عام 2020، استخدم علماء من ناسا وجامعة كوبنهاجن الذكاء الاصطناعي لرسم خرائط تغطي أكثر من مليار وشبه من الأشجار في غرب إفريقيا، وهو عمل كان سيستغرق ملايين السنين لو تم إنجازه يدوياً. منذ عام 2022، يقوم قمر ناسا الصناعي لتضاريس المياه السطحية والمحيطية بقياسات دقيقة للمسطحات المائية والأنهار في 90% من سطح الأرض، حيث أعلن مختبر الدفع النفاث في ناسا أن دقة القياسات أعلى بعشر مرات من التقنيات السابقة.
في الوقت نفسه، أطلق الاتحاد الأوروبي قمر “إيرث كير” في 2024 لدراسة تأثير جزيئات الغلاف الجوي والسحب على حرارة الأرض. وتعتمد جوجل بشكل كبير في بياناتها على مهمات طويلة الأمد لوكالات الفضاء العالمية مثل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية التي تشمل أقمار “لاند سات” و”موديس” وأسطول “سينيتيل” الذي يراقب الغطاء النباتي والسواحل والمسطحات المائية والثلوج والجليد.
أكدت جوجل أن النموذج خضع للاختبار من قبل أكثر من خمسين منظمة عالمية تختص برصد النظم البيئية والتخطيط الحضري. من بينها مبادرة بيئية برازيلية تدعى “ماب بيوماس” تستخدم بيانات “ألفا إيرث” لفهم التغيرات الزراعية والبيئية، خصوصاً في غابات الأمازون المطيرة، حيث وفرت البيانات السنوية خيارات جديدة لجعل الخرائط أكثر دقة ووضوح وسرعة في الإنتاج، وهو ما أفاد الفريق بشكل لم يكن ممكناً من قبل بحسب تصريح مؤسس المبادرة.
أعلنت جوجل أيضاً عن طرح مجموعة البيانات الخاصة بهذا النموذج عبر منصة “Google Earth Engine” بهدف تشجيع المزيد من الأبحاث العلمية والدراسات البيئية.